يا معلم .. عَلَّم

أكَّدت جميع الدراسات الميدانيَّة التربويَّة والنفسيَّة، وجميع الاستبانات، أنّ الغالبية الكبرى من الطلاب والطالبات يتأثرون بصور مُتعدِّدة ونسب متفاوتة بثقافة وإخلاص وسلوك مُعلِّميهم ومُعلِّماتهم، وأنّ قسماً كبيراً من الآباء والأمهات يثقون بنسبٍ متفاوتةٍ أيضاً بالمُعلِّمين والمُعلِّمات



المُعلِّم قدوةٌ لطلاَّبه شاء ذلك أم أبى، وإذا غاب عن المُعلِّم أو المُعلِّمة شعورهما بصفة القدوة فقد جنيا على التعليم والتربية جناية كبيرة، وإذا لم يكونا قدوة حسنة للطلاب والطالبات فلا مناص من أن يكونا قدوة سيئة أو سلبيَّة باهتة الأثر عديمة الجدوى.

 

هنالك مشكلةٌ واضحةٌ في مستوى كثير من المُعلِّمين والمُعلِّمات من حيث العلم والثقافة والأخلاق والجد والإحساس بالمسؤوليَّة وتقدير معنى الأمانة، وهي مشكلة خطيرة جداً، لأنّها تتعلَّق بالأجيال الناشئة وبنائها العلمي والثقافي والخلقي والتربوي، فهذه الأجيال تتعلَّق بالنماذج التربويَّة وتتأثر بها وتقلِّدها، وتتلقى منها دون تردُّد، وتعتقد أنّ كل سلوك يصدر عن نماذج القدوة مقبولٌ ومباحٌ، وأنّ كل معلومةٍ أو فكرةٍ تصدر عنها صحيحةٌ وثابتة، وقد أكَّدت جميع الدراسات الميدانيَّة التربويَّة والنفسيَّة، وجميع الاستبانات، أنّ الغالبية الكبرى من الطلاب والطالبات يتأثرون بصور مُتعدِّدة ونسب متفاوتة بثقافة وإخلاص وسلوك مُعلِّميهم ومُعلِّماتهم، وأنّ قسماً كبيراً من الآباء والأمهات يثقون بنسبٍ متفاوتةٍ أيضاً بالمُعلِّمين والمُعلِّمات، ومعنى ذلك أنهم يفترضون حينما يوجِّهون أولادهم إلى المدارس أنّ المُعلِّمين والمُعلِّمات سيقومون بواجب التربية والتعليم خير قيام، وسيحملون عبئاً كبيراً كان المنزل يحمله وحيداً قبل التحاق الأولاد بالمدرسة.

 

هذه المعاني كلُّها يجب أن تكون حاضرة حضوراً قوياً في وجدان المُعلِّم والمُعلِّمة، ولا يصح لأيٍّ منهما أن يتهاون بها، أو يغفل عنها، أو يقلِّل من أهميتها مهما كانت الأسباب.

 

وهنا نتساءل: ما مدى إحساس جميع المُعلِّمين والمُعلِّمات بهذه المسؤوليَّة التربويَّة والتعليميَّة والتثقيفية؟ وبأي صورةٍ من الاهتمام والعناية يتعاملون معها؟

هنالك نماذج مضيئةً ناجحةً نجاحاً ملموساً من المُعلِّمين والمُعلِّمات في مدارسنا لا يخفى أثرهم الإيجابي في أحد منا. وإنّما نتساءل هنا عن النماذج الأخرى التي لا تنظر إلى التعليم إلا بعين العمل الروتيني والمصلحة الماديَّة، ولا تبذل من اهتمامها ووقتها وجهدها ما يحقق الهدف المنشود من التعليم والتربية.

 

نتساءل عن المُعلِّمين الذين لا يملكون علماً غزيراً، ولا ثقافة واسعة، ولا تعاملاً حسناً، ولا يهتمون بتطوير أنفسهم وتثقيفها وضبط سلوكها، ولا يحبون القراءة على الرّغم من أنّهم يعلّمون القراءة، ولا يقدِّرون مكانة العلم مع أنهم يعملون في مجالات علميَّة، ولا يلتفتون إلى أهمية القدوة مع أنهم في موقع القدوة. نتساءل عن هؤلاء: إلى متى يبقون في هذه الدائرة السلبيَّة المظلمة؟ وإلى متى تبقى وزارة التربية والتعليم بعيدة عن اعتماد البرامج التدريبيَّة المكثفة لتحقيق معالم الشخصيَّة الإيجابيَّة في نفوسهم؟

 

المُعلِّم مسؤولٌ مسؤوليَّة مباشرةً عن نفسه، لأنّه يعرف ما يجب على مثله في موقعه ومسؤوليته، فهو يدرك أن التعليم ليس وظيفة ذات دخل مادي فقط، ولكنه عمل حضاري مهم تقوم عليه المجتمعات البشريَّة.

 

المُعلِّم مسؤولٌ أمام الله عن نفسه التي يشغلها بما لا يفيد من دوريات يجتمع فيها مع ثلةٍ من زملائه وأصدقائه ليس فيها إلا الهراء والمزاح ونكت الجوَّالات، وأخبار الرياضيين والفنانين، وكبسات الرز واللحم ذات الألوان والأشكال.

المُعلِّم مسؤولٌ أمام الله عن رسالته العظيمة التي سيُسأل عنها، وسيلقى جزاء ما قدَّم فيها، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً.

 

المصدر: حلقات تحفيظ القرآن الكريم