أقدم لكم أيها الرواد طرح إنسان متخصص يحمل أيضاً هم الأبوة والمواطنة في آن واحد.
أب لأكباد أربعة تغدو في الصباح خماصاً إلى مدارسها وترجو ويرجو أبوها أن تروح بطاناً بعد الظهر.
ومواطن يوجع قلبه أن يرى اضطراباً في صناعة الإنسان.
بالنظر إلى أركان التعليم الأساسية الثلاثة: المعلم والطالب والمنهج أحسب أن المعلم هو أهم هذه الأركان.
إن المعلم الفعال هو القادر على بث روح الحياة في أي منهج عاجز، وأن ينشط هرمون الوجود في نفوس الناشئة.
إن تغلغل بنية العلاقة السلطوية بين الأفراد في المجتمع العربي بشكل أكبر من بث روح بنية العلاقة التفاعلية حال دون بناء المجتمع المدني المنشود.
بعض المعلمين لم يستطع أن ينفك من سيطرة البنية السلطوية في بيته فتنفسها في المدرسة فكان الجمود فيه وانتشر في الأحياء من المناهج والطلاب.
إن الطالب يحتاج إلى أن يتعلم من خلال التفاعل مع معلمه الذي يتمتع بسمات شخصية تيسر له التواصل مع الآخرين. ولقد وجد ريانز (Ryans, 1960) أن ارتباط فعالية التعليم بخصائص المعلمين الانفعالية أقوى من ارتباطها بخصائصهم المعرفية. وقد دعم ويتي (witty, 1967) ذلك بدراسته المسحية لألف تلميذ يسألهم عن سمات المعلم الفعال.
ولذا فإن شخصية المعلم تحتاج إلى إعادة تأهيل بالإضافة إلى التفعيل ومن التفعيل توعية المعلم بالنفس البشرية وحاجاتها.
التوعية النفسية للمعلّم:
- الوعي بالعلل النفسية الشائعة وأبجديات الوقاية منها والتعامل معها مثل: الرهاب الإجتماعي.
- الخوف من المدرسة فرط الحركة المرضي اضطراب متغيرات فترة المراهقة التخلف العقلي البسيط اضطراب السلوك.
- التفريق بين الانفعالات الطبيعية والاضطرابات النفسية.
- فهم الشخصيات وأساليب التعامل معها.
- منهج التعامل مع المشكلات ومهارات التغلب على الضغوط النفسية.
- التدريب على التوقع الإيجابي.
- تنمية مهارة التفكير والحوار من بعد نفسي.
- منهج التعامل مع السلوك الخاطئ لدى الطالب انطلاقًا من نظرية التعلم.
- فهم الحاجات النفسية الأساسية للطفل.
سؤال يطرح نفسه: لم يركض أبناؤنا في الفترات المسائية وفي العطل الصيفية للالتحاق بدورات تعنى بهذه الأمور أليس من الأجدى تأهيل المعلم بها وتضمينها في مناهج التعليم؟
إنّي أنادي من هذا المحفل بإدراج مادة التربية النفسية ضمن المقرات تعنى بما أسلفناه وأمثاله وتكون منهجًا عملياً لا مجموعة من الوصايا، فالناس لا يكفيها التذكير بل تريد التدريب.
إن بعض مواد التعليم الحالية مع تطور العصر يمكن أن نجعلها هوايات لا مقرات كمادة الرسم والأشكال والتعبير والتفصيل.
إنّ مراجعة ما اعتدناه ونقد الذات يشعران بشيء من المعاناة لكن ذلك خطوة أساسية في إعادة صياغة المنهج البناء.
إنا في حاجة إلى الوقوف ضد ثقافة (إنا وجدنا آباءنا على أمة) فالتربية كما يقول أ.د.عبدالكريم بكار ليست الحفاظ على ما هو موجود وإنما مراجعة وتطوير ما هو موجود.
إنا في حاجة إلى مراجعة ما هو حاضر الحاجة وما هو مستقبلي.
العلاقة بين الطالب والمعلم:
لقد أخذت هذه العلاقة شكلاً جديداً تحتاج معه إلى معلمين مؤهلين تأهيلاً عصرياً، رأى الطالب كيف يتحاور الناس فأصبح عيباً بل خطأ في نظره أن يبقى المعلم التقليدي الذي لا يستطيع أن يستنطق ذات الطالب وأن يبحث في خلفية سؤاله.
تكمن أزمة الطالب في أنه يريد من يفهمه لا من يوجهه دون بذل جهد في فهمه. ولذا فإن فتوى الناس في شؤونهم النفسية والاجتماعية لا تقل خطراً عن فتواهم في شؤونهم الدينية لأن الأولى تؤثر في صناعة وتوجه الإنسان التي هي في أصلها مطلب ديني.
نحن نعيش حرب حضارات وديانات فكان لزاماً تأهيل وعلم قادر على تهيئة طالب يفهم دينه ومراد ربه ونبيه.
إعادة تقويم المناهج:
إني أقترح إنشاء لجنة من وزارة المعارف وزارة الشؤون الإسلامية تحت مظلة هيئة كبار العلماء تعيد مراجعة المقرات الدينية.
فنحن نحتاج إلى مناهج دينية تعزز الجانب الروحي المنهجي وليس فقط السلوك التعبدي.
إن التعليم الديني مر بأزمتين: انعتقنا من الأولى إلى حد ما وما زلنا نعاني الثانية.
انعتقنا من المناهج البعيدة عن الواقع لكننا لمّا نُعِدَّ بعدُ بشكل مُرض المعلم القادر على تفعيل المنهج الجيد في نفس المتلقي.
إن ثقافة الشك في الآخر التي يحياها البعض فعلت في نفوسهم ثقافة الخوف حتى انتهوا إلى ثقافة الصمت والحيرة فيما يجب أن يفعل وفيما يجب ألّا يفعل.
ومن هنا نشأ الخلاف بين رواد التعليم والمجتمع فقد تباطأت حركة المسيرة بسبب الخلاف بين: غيور ينقصه الإدراك ومدرك تنتقصه الغيرة وثالث حار بين هذا وذاك فاختلط عنده الصواب بالخطأ.
أضف تعليقاً