إنّ الطفل المغربي يعيش الحداثة بمفهوم عكسي عبر ما تقدمه له القنوات التلفزيونية (القناتين الأولى والثانية) من برامج خاصة تدخل في إطار (برامج الصغار)، والتي تمتح مواضيعها من برامج مستوردة لا تمت بصلة إلى المجتمع المغربي، مما يجعل الطفل يعيش مفارقة كبيرة بين ما يتلقاه في الوسط الأسري و المُؤسَّسات التعليميَّة، وبين ما يقدم له كبرامج تلفزيونية تنشيطية، موازنة بما يشاهده عبر قنوات أجنبية سواءٌ كانت عربية أم غربية، مما يُولِّد لديه حالة انبهار لما يُقدَّم له عبر الفضائيات سواء من حيث المواضيع أو من حيث الصور والألوان الجذابة التي تثيره، كما تثير فيه نوعاً من الإدمان على متابعتها، بحيث تدق الوتر الحساس لديه، لما تتضمَّنه من إشباع لغوي وفكري وصوري وموسيقي وغنائي. ومن هنا يمكن طرح السؤال الإشكال. أين هم كتاب الأدب الخاص بالفئة العمريَّة الأولى؟ وأين هم رواد التنشيط من الفنانين الذين أسسوا للاهتمام بالفعل المسرحي عبر بوابة المُؤسَّسات التعليميَّة؟ ولم غابت الفرجة عن الحياة المدرسيَّة؟ الكلام هنا بالمطلق وليس الفرجة المناسباتية التي تعرفها بعض المُؤسَّسات التعليميَّة ولا يشارك في برامج تنشيطها إلا المقربون ذوو الزلفى.
فهل فعلاً هذه الخطوات التي يرسم معالمها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في هذا الإطار تتخذ طابع الجدية في الاستفادة من التجارب السالفة، لجعل المُؤسَّسات التربويَّة أوراشاً مفتوحة للبناء والتشييد انطلاقا من ممارسة الفعل المسرحي عبر بوابة الفرق المسرحية التي يعاني بعض أفرادها الفاقة؟ وهل فعلاً ستنفتح المُؤسَّسات التربويَّة على محيطها ببناء جسور بينها وبين الأسرة وجمعيات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين؟ وهل ستتمتع المُؤسَّسات التربويَّة فعلاً باستقلال نسبي لترجمة برامجها على أرض الواقع؟ وهل ستشهد المدارس مهرجانات للفرجة لمحو الصورة القاتمة، وإيجاد تصوُّر جديد لها؟
هذا ما ستجيب عنه القليل من السنوات المقبلة. وكما قال الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد البكريّ:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ
المصدر: مجلة المُدرِّس
أضف تعليقاً