التأخر الدراسي والواجبات المدرسية

عبدالله بن محمد المالكي

 يمثل مخرج التعليم الهدف النهائي من العملية التربوية التعليمية، والذي سيساهم بشكل أو بآخر في النشاط الاقتصادي أو الاجتماعي من خلال دخوله سوق العمل. ولما لذلك من انعكاسات على المجتمع لذلك نجد أن الدولة ممثلة في قطاع التعليم تبذل كل ما في وسعها لتطوير هذا القطاع والرقي به إلى أعلى المستويات ويظهر ذلك من خلال مخصصات التعليم التي تعتمدها الدولة كل عام ونموها المستمر. وتقع مسؤولية القيام بالدور على الأفراد سواء العاملين في قطاع التعليم والمستفيدين من خدمات هذا القطاع الحيوي للتفاعل بشكل إيجابي ومتوافق مع تطلعات وأهداف السياسة التعليمية المنبثقة من السياسة العامة للدولة.



ومع ذلك نجد أن الواقع لا يتوافق دائماً مع التنظير أو التخطيط أو بمعنى آخر مع التطلعات والآمال. ومن أهم المشاكل التي تعترض العاملين في الميدان التربوي التعليمي تأخر الطلاب دراسياً على الرغم من توافر معظم مقومات التطور الدراسي للطلاب. والتأخر الدراسي يمكن تعريفه بأنه: تدني مستوى الطالب أو تخلف الطالب بشكل جزئي أو كلي عن زملائه الآخرين ذوي المستوى العادي من حيث القدرات أو المهارات والخبرات والتحصيل العلمي، مما ينتج عن ذلك بقاء الطالب في مستوى أدنى من زملائه خلال الفترة الدراسية أو تخلفه كلياً ببقائه في الصف أو المرحلة الدراسية أكثر من الفترة الدراسية المقررة.

 

والتأخر الدراسي ينتج عادة لتضافر عدة عوامل متداخلة من أهمها:

  • عدم الرغبة والجدية في التعليم من قبل الطالب، وما ينتج من ذلك من إهمال وعدم متابعة لما يجري خلال اليوم الدراسي، وذلك يعود إلى عوامل نفسية أو أسرية أو اجتماعية أو مادية.
  • عدم تفاعل الطالب داخل الصف، الغياب المتكرر، عدم إطلاع الطالب مسبقاً على الدرس وعدم استرجاعه بعد شرحه أو مناقشته في المدرسة وعدم أداء الواجبات أو أدائها بطرائق غير صحيحة.
  • عدم متابعة الطالب بشكل كافي ومستمر من قبل الأسرة، للظروف الأسرية المختلفة مثل إنشغال الوالدين أو أميتهم أو تأجيل ذلك إلى فترات الاختبارات أو نهاية المرحلة الدراسية ومع وجود المؤثرات الخارجية مثل وسائل الأعلام والأصدقاء، والانفتاح الثقافي والفكري (السلبي) وغير ذلك.
  • عدم متابعة الطالب بشكل مستمر من قبل المعلم أو المرشد الطلابي أو إدارة المدرسة، لعوامل عدة أيضاً خارجة عن الإرادة مثل كثرة عدد الطلاب (ارتفاع معدل عدد الطلاب / معلم).
  • عدم تجاوب الأسرة أو تعاونها مع المعلم أو المرشد أو إدارة المدرسة بشكل عام.
  • كثرة الأعباء الملقاة على عاتق المعلم أو المرشد.
  • كثرة الطلاب المتدنية مستوياتهم الدراسية وتباين الأسباب فيما بينهم وخاصة في الفئة العمرية 14-18 وفي المدارس الكبيرة.
  • وكذلك عدم قيام المعلم أو المرشد بدوره التربوي بشكل كافٍ (قصور في الأداء بشكل عام).

 

أما فيما يتعلق بالواجبات المدرسية فإنها تعد من أهم مقومات تطور المستوى الدراسي أو مستوى تحصيل الطالب ويمكن تعريف الواجبات المدرسية بأنها: تكليف الطلاب القيام (تنفيذ) بأعمال معينة (تمرين، مسألة، ملخص، بحث صغير، تطبيق، وخلافه) بعد قيام المعلم بتنفيذ الجزء الأكبر من محتوى الدرس أو الموضوع بهدف تطوير قدرات الطلاب الفكرية من ناحية والتحقق من وصول محتوى الدرس أو الموضوع إلى الطلاب (المتلقين) بطريقة واضحة ومفهومة ليتمكن من تقويم الطلاب وتكوين رأي صائب عنهم قدر الإمكان.

فعملية الاتصال التربوي التعليمي لا تكتمل إلا بتحقق كافة العناصر الرئيسة لعملية الاتصال والتي تتمثل في:

  • المصدر (المعلم).
  • الوسيلة (الطرائق والوسائل التعليمية المختلفة مثل الإلقاء أو السبورة، الحوار...الخ).
  • الرسالة (محتوى الدرس أو الموضوع).
  • المتلقي (الطلاب).
  • وأخيراً التغذية العكسية (Feedback) (الاستجابة).

 

فعملية الاتصال من جهة واحدة لا تحقق الهدف المرجو من عملية الاتصال التربوي التعليمي، فعلى سبيل المثال إلقاء المعلم للدرس فقط لا يكفي بل لابد من معرفة مدى استجابة الطلاب وهذه لا يمكن الوصول إليها أو تحققها بشكل تام إلا في حالة الصفوف الدراسية النموذجية (عدد الطلاب قليل والمستويات الدراسية متقاربة) أما في الصفوف ذات الأعداد الكبيرة والكثيفة وفي المدارس الكبيرة فإن الاستجابة الفورية من كافة أو معظم المتلقين (الطلاب) مستحيلة لذلك لابد من الواجبات المدرسية الهادفة والتي من خلالها تكتمل الدائرة وتتم العملية الاتصالية بنجاح. ومن هنا يمكن يمكن القول إن الواجبات المدرسية اليومية أو الأسبوعية تعد ركناً من أركان عملية الاتصال التربوي التعليمي (الاستجابة)، أي أنه لا غنى عنها للمعلم أو الطالب، والأمر يزداد أهمية في المدارس الكبيرة ذات الكثافة الطلابية.

 

وعلى ما في ذلك من زيادة في العبء والجهد للمعلم الذي يعمل في المدارس الكبيرة خاصة، إلا أن ذلك من متطلبات العمل التربوي التعليمي الصحيح من ناحية وإتقان للعمل وأدائه بكل أمانة وموضوعية من ناحية أخرى. وعلى الرغم من السلبيات التي قد تحدث نتيجة للواجبات المدرسية مثل أدائه من قبل الغير سواء عن طريق أحد أفراد الأسرة أو عن طريق زملاء الطالب. إلا أن الواجبات المدرسية تظلّ من الوسائل الضرورية لمعرفة وتطوير مستوى الطالب وقدراته من خلال التفكير والتحليل والمقارنة والاستنتاج وموازنته ببقية زملائه إذا ما حققت الشروط الآتية:

  • أن يكون الهدف من الواجبات المدرسية هو تطوير القدرات والمهارات والخبرات وزيادة المعلومات، والأهم أن يكون ذلك الهدف معلوماً لدى الطلاب أنفسهم من خلال التوعية المستمرة وإيضاح ذلك لهم وتبيان الهدف منها، وأنها تدريب للطالب لا تعذيب.
  • أن تكون باعثة على المبادرة والتفكير والتحليل والاستنتاج في حدود قدرات الطالب الذهنية.
  • أن تكون سهلة الأداء ومختصرة وفي متناول الجميع قدر الإمكان بحيث لا يلجأ الطالب إلى الآخرين لطلب المساعدة.
  • المتابعة المستمرة من قبل المعلم سواء من حيث الاطلاع وتصحيح الأخطاء مقرونة بالكلمات التشجيعية، أو من حيث التأكد من أن كل طالب قام بأداء الواجب بمفرده قدر الإمكان. وقد يكون البديل في حالة عدم جدوى هذا الشرط تنفيذ الواجب في الصّفّ في نهاية الفترة المقررة للدرس وتحت إشراف ومتابعة المعلم (كتطبيق).
  • أن تدخل الواجبات المدرسية في تقويم الطالب، وتكون الدرجة معلومة من قبل الطالب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الواجبات المدرسية في ظل لائحة تقويم الطالب الجديدة والتي بدأ تنفيذها مع مطلع عام 1420هـ بدأت تأخذ منحىً آخر سواء أكان من قبل المعلم أم من قبل الطالب، ولم تعد تنفذ كالسابق ويعود ذلك لضآلة الدرجة المعتمدة بوصفها أعمالاً فصلية. وهذا قد لا يخدم العملية التربوية التعليمية بل على العكس من ذلك فقد يكون السبب الكبير في انخفاض مستويات التحصيل العلمي للطلاب وخاصة في المواد العلمية واللغوية والتي تحتاج إلى وقت أطول لتعلمها واستيعابها والتعبير عنها.

 

وأخيراً فإن هناك بعض الفوائد من تأدية الطالب للواجب المدرسي لعل من أهمها:

  • قدرة الطالب على التفكير والتحليل والمناقشة.
  • تطوير مهارات الطالب اللغوية والكتابية وتعويده الاطلاع والقراءة.
  • استرجاع الطالب لأهم ما تم إنجازه من المقرر الدراسي.
  • القدرة على الحوار والنقاش والتفاعل الإيجابي مع المعلم.
  • سهولة استرجاع المادة الدراسية وتذكرها.

 

المعلم عبد الله بن محمد المالكي
مجلة المعلم