أثر فعالية المعلم على تحصيل الطلبة

 



هذه هي قيمة المعلم، الذي ينظر إلى وجه تلميذه ويقول إنني أرى وراءه شخصاً ما، وإنني أريد أن أصل إلى ذلك الشخص، وأريد أن أؤثر فيه، وأن أشجعه وأثريه، وأريد أن أخرج ذلك الشخص الذي يقبع وراء ذلك الوجه، ووراء ذلك اللون، ووراء تلك اللغة، ووراء ذلك التقليد، ووراء تلك الثقافة، إنني على ثقة بأنني أستطيع فعل ذلك.

 

مايا أنجيلو

 

إنّ مقدرة المعلم الفاعل على التغيير شيء خبرناه وفهمناه جميعاً على المستوى الشخصي، وربما كنا محظوظين بشكل خاص إذ كان لدينا العديد من المعلمين الاستثنائيين الذين جعلوا من المدرسة مكاناً ممتعاً ومثيراً للاهتمام. لقد كان لهؤلاء المعلمين شغف بالمواد التي يدرسونها، وكانوا يبدون رعاية حقيقية للطلاب الذين عملوا معهم. كانوا مصدر إلهام لنا لنعمل ونلعب ونفكر بعمق فيما كنا نقوم به وأن نواجه المزيد من تحديات العمل.

 

إننا ندرك بالحدس أن للمعلمين الفاعلين تأثيراً في الحياة اليومية للأطفال بل وعلى امتداد حياتهم المستقبلية وتطلعاتهم التعليمية، كما ندرك الآن بالتجربة أن لهؤلاء المعلمين الفاعلين تأثيراً مباشراً في تعزيز تعلم الطلاب. إن سنوات من البحث حول جودة المعلم تدعم الحقيقة القائلة إنّ المعلمين الفاعلين لا يجعلون الطلاب يشعرون بالرضا عن المدرسة والتعلم فحسب، بل أن أداءهم الجيد ينتج عنه زيادة في تحصيل الطلاب. كذلك أثبتت الدراسات أن مجموعة من الصفات الشخصية والمهنية لدى المعلم الفاعل ترتبط جميعها بأعلى مستويات تحصيل الطلاب، نحن ندرك على سبيل المثال أن القدرة الخطابية وإتقان المحتوى والمعارف التربوية إضافة إلى الدرجة العلمية والقدرة على استخدام مجموعة كبيرة ومتنوعة من استراتيجيات التدريس بمهارة ينتج عنه معلمون أكثر نجاحاً وخبرة وتفوقاً.

 

وفيما يأتي بعض المزايا الأساسية التي يجب توافرها في كل معلم فاعل:

  • تلقي التدريب الرسمي لإعداد المعلمين.
  • يحمل شهادة معتمدة في مجال تخصصه.
  • لديه خبرة في التدريس عمرها ثلاث سنوات على الأقل.
  • الاهتمام والنزاهة والاحترام.
  • يملك توقعات عالية لنفسه ولطلابه.
  • يكرس وقتاً إضافياً لإعداد وتحضير دروسه.
  • يحقق أقصى فائدة ممكنة في استغلاله للوقت من خلال الإدارة والتنظيم الفاعل لحجرة الدرس.
  • يعمل على تعزيز التعلم من خلال تنويع الاستراتيجيات والأنشطة والواجبات.
  • يقدم المحتوى للطلاب بطريقة تعزز فهمهم واستيعابهم له.
  • يرصد تعلم الطلاب وتقدمهم باستخدام التقويمات القبلية والبعدية ويزودهم بالملاحظات اللازمة في الوقت المناسب ويقوم بإعادة تدريس الطلاب الذين لم يتمكنوا من إتقان الدرس.
  • يظهر فعالية كاملة مع قدرات الطلاب في حجرة الدرس بغض النظر عن التفاوت الأكاديمي للطلاب.

 

ولا يقتصر الأمر على وجود توافق في الآراء حول ما يفعله المعلم لتعزيز تعلم الطلاب فحسب، بل إنّ بعض التحليلات التي قام بها بعض الباحثين مثل مارزانو وبيكرينغ وبوللوك قد حددت متوسط آثار للاستراتيجيات التعليمية المحددة، التي عندما يتم تطبيقها على الوجه الصحيح، مثل تحديد أوجه التشابه والاختلاف والتلخيص وأخذ الملاحظات وتعزيز الجهود والثناء على التحصيل، يمكن أن ينتج عنها زيادة بين 29 إلى 45% في تحصيل الطلاب. إن هذه الزيادة تعني أنّ إحراز طالب ما لنسبة تحصيل قدرها 50% يمكن أن يرتفع إلى 79% أو حتى 95% مع الاستخدام الفاعل للاستراتيجيات التربوية المختارة. وبينما لا يمكننا إنكار أن التدريس فن إلا أنه علم أيضاً ينبغي لنا تطبيقه. وقد كتب مايك شموخر مؤلف كتاب: "الطريق نحو التحسن المستمر للمدرسة" قائلاً: عندما نبدأ في ردم الفجوة بين ما نعرفه وما نعمل به بطريقة أكثر تنظيماً فإننا سنكون على أعتاب واحدة من أكثر الحقب إثارة في تاريخ التعليم.

 

إنّ العمل الذي قام به الباحث بيل ساندرز من جامعة تينيسي كان محورياً في إعادة تأكيد أهمية المعلم الفاعل في تعلم الطالب. وفي أحد جوانب هذا البحث ركز ساندرز على ما حدث لطلاب كان معلموهم ينتجون تحصيلاً عالياً مقابل أولئك الذين ينتجون تحصيلاً منخفضاً. وإكتشف أنه عندما يكون التلاميذ الصغار، بداية من المستوى الثالث، مع معلم ذي أداء عالٍ فإنهم يحرزون في نهاية المستوى الخامس في المتوسط 96% على مستوى الولاية في اختبار الرياضيات. أما عندما نضع تلاميذ مع معلم ذي تحصيل منخفض فإن متوسط أدائهم في الإختبار نفسه ينخفض إلى 44%  مما يعني فرقاً قدره 52% بالنسبة إلى التلاميذ لديهم المقدرات والمهارات نفسها. وقد كتب ساندرز ما يأتي:

 

تدل نتائج هذه الدراسة بوضوح على أن العنصر الأكثر أهمية في التأثير في تعلم الطلاب هو المعلم. بالإضافة إلى ذلك فإن النتائج تظهر تفاوتاً واسعاً في الفعالية بين المعلمين. وأنّ الناتج الضمني الفوري لهذه الدراسة هو أن تحسين التعليم يتطلب تحسين فعالية المعلمين أكثر من أي عنصر آخر. كما يدل على أن المعلم الفاعل يكون فاعلاً مع الطلاب في كل مستويات التحصيل بغض النظر عن مستوى عدم التجانس في غرفة الصف.

 

وفي دراسة مماثلة أجراها باحثون من تكساس وجدت نتائج مشابهة في الرياضيات والقراءة في المستويات الأولى، حيث كان تلاميذ المستوى الأول محظوظين إذ كان لديهم معلمون ذوو أداء عال فكان متوسط تحصيلهم في المهارات الأساسية في مادة الرياضيات في اختبار الولاية قد ارتفع من 63% إلى 87% على النقيض من أقرانهم الذين انخفض تحصيلهم من 58% إلى 40%بفارق قدره 42%. وتحليل مماثل في القراءة وجد فارقاً قدره 44%. وبهذا تكون الدراسات والبحوث التي أجريت في جامعة تنيسي وتكساس قد توصلت إلى نتائج مماثلة ولافتة للنظر مفادها: أن المعلمين الفاعلين للغاية قادرون على تحقيق إنجازات أكبر في تحصيل الطلبة موازنة مع نظرائهم الأقل فاعلية.

 

كيف يمكننا دعم رعاية المعلمين الفاعلين لجميع أطفالنا؟ في اعتقادنا أن المعلمين في حاجة إلى الملاحظات، ليس فقط حول التدريس بل أيضاً حول نتائج التدريس في الوقت المناسب لأن الملاحظات الثمينة أمر حيوي لأي جهود تحسينية. دعونا ننظر على سبيل المثال إلى الدور الذي يقوم به مدرب رياضة الجري أو مدرب اللياقة البدنية أو تخفيف الوزن. فهؤلاء الأفراد يقدمون التوجيه حول كيفية الأداء الأفضل، ولكن الدليل على فعاليتهم بوصفهم محترفين يظهر في النتائج الملموسة: أي في الجري لمسافات أطول أو في رفع أثقال أكبر أو في نقصان الوزن. من الواضح أن الذين يعملون على نحو أكثر فعالية وكفاءة وإصرار، تقاس جهودهم بأثرها في الآخرين.

 

اعتمد تقويم المعلمين في عملية التدريس وعلى وجه الحصر تقريباً من خلال استخدام الملاحظات في حجرة الصف. وفي دراسة أجريت بوساطة دائرة البحوث التربوية وجد أنّ 99.8% من مديري المدارس العامة في الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدموا الملاحظات الصفية المباشرة أسلوباً لجمع البيانات الأولية. ومع ذلك فإنّ الاعتماد الأساسي على الملاحظات الرسمية في التقويم يطرح مشاكل كبيرة في تقويم المعلمين، فعندما يقوم المدير بزيارة غرفة الصف ثلاث أو أربع مرات مثلاً في العام فإنّ الملاحظات يمكن أن تكون مصطنعة ولا تعطي نتيجة حقيقية أو قد تتضمن مثالاً صغيراً جداً للأداء الفعلي للمعلم مع طلابه (على سبيل المثال أربع ساعات من المراقبة تعادل نصف بالمائة من الوقت الكلي لتدريس المعلم خلال العام).

 

يتفق معظم التربويين على أنهم مسؤولون عن تعلم الطلاب، ولكن المهنة بشكل عام تتجنب التقويمات المبنية على مقاييس تعلم الطلاب، أحياناً لأسباب وجيهة بعَد الوسائل غير العادلة التي تنتهجها. والحل مع ذلك لا يكون في الاستمرار في هذه الاستراتيجيات التقليدية فقط لأنها مريحة وإنما في تطوير وسائل عادلة ومعقولة لتقويم نجاح المعلم في التعامل مع طلابه. وهناك العديد من الأنظمة المدرسية والبرامج التربوية التي استكشفت طرائق مبتكرة لاستقاء بيانات موثوقة عن تعلم الطلاب ومن الممكن أن تتم عبرها عملية تقويم المعلم. إن العوامل التي تؤثر في تعلم الطلبة متعددة الأوجه بل هي معقدة للغاية، ومن الصعب التوصل إلى توافق في الآراء بشأن أفضل طريقة لقياس تعلم الطلاب. ونظراً لهذه التعقيدات فإن العديد من التربويين يتجنبون أن يكونوا صريحين بشأن تعقب تعلم الطلاب بغرض تحسين تدريسهم أو تقويم أدائهم.

 

إنّ استخدام البيانات الخاصة بتعلم الطلاب في عملية تقويم المعلم يقدم أداة ممكنة لكل من عمليتي التحسين ولتركيز تقويم المعلم للانجازات التي يتم تحقيقها. وإن الملاحظات الموضوعية المقدمة في شكل بيانات تقويم تقدم أداة لا تقدر بثمن للمراقبة. وكما تقول الباحثة باربارا هوارد: إنّ التقويم الذي يقود إلى التطور المهني يتطلب من المعلمين أن ينظروا بصدق ونزاهة إلى نقاط القوة وإلى نقاط الضعف لديهم. وإنّ التقويم الذاتي يمكن أن يكون محدود الأثر بسبب افتقاره إلى الموضوعية، وكذلك الملاحظات التي يقدمها الزملاء والمشرفون والتي تعتمد على بضع زيارات لحجرات الدرس أيضاً محدودة الأثر بسبب قلة الأمثلة التي تقدمها كما ذكرنا آنفاً. وإنّ بيانات التقويم لتعلم الطلاب خلال فترة زمنية محددة حتى وإن تجاوزت نصف العام الدراسي لا يمكن أن تقدم ملاحظات موضوعية إلى حد ما.

 

وأخيراً يمكننا القول إنّ التعلم ليس إلّا ظاهرة تحدث نتيجة للتفاعلات بين المعلم والطالب. والمعلمون لا يمكنهم بطبيعة الحال أن يكونوا مسؤولين وحدهم عن تعلم الطلاب لأن التعلم نشاط تتم السيطرة عليه داخلياً. ومع ذلك يتوقع من المعلمين أن يقوموا بتوفير الظروف الملائمة للتعلم وهذا هو ما تم تعيينهم من أجله وهو التزامهم المهني.